القصة الأولى: الأديان محبة


جمعتهما الزّمالة في الجامعة، وأقتصرت أحاديثهما في الحديقة أو المكتبة، عن المحاضرات وفرص النجاح، وأحلام التفوّق والتخّرج بالتقدير المطلوب، الذي يسهّل على كلّ منهما وجود الوظيفة.
تطوّرت العلاقة، وأصبحت استلطاف، وتشوّق لهذا اللقاء. ومن ثمّ ظهرت بوادر حبّ صامت تُعبّر عنه نظرات العيون.
بدأ أحمد يحسّ مشاعر مختلفة وجميلة نحو "أليس" وينتظر لقاء الغد بفارغ الصبر. كذلك أصبحت أليس تعجب بأحمد، وتدغدغ مشاعرها لفحات من الحنين للقائه، وتغمر فؤادها السعادة كلما التقيا. ثمّ تعود وتسأل نفسها: لماذا "أحمد"؟ وفي الجامعة العديد من الشباب المُلفت من كل جنس ولون؟ فلا تجد في قلبها ووجدانها سوى جواب واحد: لأن أحمد هو الذي ملك القلب والوجدان.
أما أحمد الذي غمرته السعادة، بدأ يردد في قرارة نفسه كلما أقبلت أليس وأشرقت ابتسامتها، أبياتا من الشعر لم تُكتب على الورق، لأنها نابعة من القلب ولا تريد أن تُغادر القلب، ولأن لها صدى في داخله يقول: "يا لها من نجمة ذات بريق واشعاع، وزهرة ذات أريج يتسلل سحره كأنسام الربيع. أقوالها نغم ... خطواتها إيقاع ... ابتسامتها شعاع ... تدخل إلى القلب دون استئذان.
بقى أحمد مع كل هذه المشاعر تجاه أليس يتمتع بسعادته وترديد أشعاره الصامتة دون أن يكاشف أليس بحبه لها كما يفعل المحبون.
بدأت المشاعر تكبر وتنمو، وأصبحت المكاشفة ضرورية وكليهما صامت ومتخوّف من ردّة الفعل ظنّاً منه أن يكون أحدهما يحلم بمفرده أو أن يكون حبّ من طرف واحد.
وأخيراً قرر أحمد أن يبدأ بالمبادرة ويُخبر أليس عن حبه لها وكلفه بها.
وفي جلسة من جلسات الحديقة محاطان بأنسام الربيع الرقيقة، وعصفرة العصافير من حولهما، قال أحمد: أليس أعتقد أنه قد أصبح من واجبـي، بل من حقك أن تعرفي كم أنا أحبك ... ومن حقي أيضاً أن تعرّفيني إذا كنت تبادليـني الحب؟
لم تفاجأ أليس بما كانت تتوقعه، ولكنها بقيت صامتة مضطربة تُفكّر بماذا تُجيب ... أو تقول له بدون مقدّمات أنها تضمر له كلّ الحبّ؟ أوتقول له: "الاليتني أستطيع أن أصف لك تلك النفحات المنعشة من السعادة التي يمنحها لي حبك؟ ولكنها بقيت ساكتة، أوأنها لم تعد تقوى على التعبير.
سألها أحمد الا تجيبي؟ قالت: "أنا لا أعتقد أنني أذيع سرّاً اذا اعترفت لك بأنني أحبك كل الحب ... ولكنني يا حبيبي أنا خائفة." ثمّ أجابها أحمد باستغراب: "خائفة" اخبريني يا حبيبتي عمّا يخيفك؟ أنا رجل حرّ، واسع الأفق، لا أرى في علاقتنا النظيفة الشّفّافة ما يريب أو يخيف، ولا يمنعني ما تبقى من دراستي من أن نكلّل حبنا بالزواج، قبل التخرج أو بعده إذا أردت.
استمعت أليس إلى أحمد وهي صامتة مطرقة الرأس، واحدى قدميها ثقبت في الأرض بعصبية ثمّ قالت: "أنت متفائل، ولا أظنك تجهل أننا من دينين وعقيدتين مختلفتين، وهذا سيمنع زواجنا ويسبب لنا الكثير الكثير من المشاكل، لآن أكثر قوانين الإنسان ضدّ الإنسان ولا نقوى على كسرها. وقصورنا التي تبنيها سعادتنا وحبنا هي ليست أكثر من قصور من الرمال، ومهدّدة بالانهيار، لأن أبراجنا العاجية من الصعب أن تصمد أمام قوانين الإنسان التي غالباً لا تكون لصالح الإنسان.
تظاهر أحمد بالهدوء الذي يسبق العاصفة، ثمّ قال بانفعال: ما معنى ما أسمع؟ كلاّ حبيبتي نحن أبناء جيلنا، وهذا لا يعني أننا سنتمرّد على القيم الموروثة أو على الأديان، ولكن ما أعرفه وأومن به، أن الأديان محبة، وأن السيد المسيح أول من دعى إلى المحبة ... وأنت ابنة القرن العشرين والجامعية، وكل ما يحيط بنا من صعود الإنسان إلى القمر، ومن تكنولوجيا العلوم، ومن فضائيات وطائرات لن تقف مع من يقف في الزوايا الموروثة. أنا أقتنع طبعاً اذا كان السيد المسيح هو الذي سنّ قوانين منع تزاوج الأخوة والمحبين، ثمّ يستطرد قائلا ماذا؟
أنت مسيحية وأنا مسلم
أنا مسيحي وأنت مسلمة
أنت روم وأنا كاثوليكي
أنت بروتستنت وأنا انجيلي
وأن كل أبناء هذه الأديان والطوائف ليس من حقهم أن يُحبّوا ويُحَبّوا بل يجب أن يبقى حائط برلين الحاجز والفاصل الذي يقضي على الحبّ والتآلف؟
أخبرك يا حبيبتي أن ديني لم يقف عائقاً بيني وبينك، بل سمح لي أن أتزوجك دون أن أطالبك بتغيير دينك بعد زواجك مني، بل على العكس أن ديني يوصيني بأن أوصلك إلى كنيستك لتمارسي إيمانك وتحضري الصلاة وأنا أنتظرك إلى أن تنتهي ونذهب معاً إلى منـزلنا وأطفالنا وواجباتنا.
لا يا بنفسجتي لا تخافي، ليس في حبنا ولا في اتحادنا وزواجنا ما يغضب الله، أو يخرج عن تعاليم السماء ما دمنا نعبد ربّاً واحداً. الأديان محبة، والتآلف بين البشر من صلب الأديان، وفي زواجنا مباركة لأهمية التآلف والتقارب بين الطوائف والعائلات، حيث تصبح عائلتك عائلتي، وعائلتي عائلتك، بل وتصبح أجيال العائلتان عائلة واحدة.
أرجوك يا حبيبتي أن تسمعيني، وأن تحاولي أن تستوعبي ما سوف أقول: أجابته: منصتة صاغية، وكل خلجة من خلجات قلبي تنتظر.
قال أحمد إذاً نحن متفاهمان، وعلينا أن نبدأ بما يمليه الواجب تجاه الأهل من الطرفين. الواجب الكامل وغير المنقوص، ثمّ نتزوج أمام الجهات الرسمية المختصّة بالزواج المدني، ونُشهد العالم بأسره على شرعية ما نفعل مدعوماً برضى الأهل والوالدين.
ولا أظنّ أن في هذا الكون آباء وأمّهات يُغضبهم مشروع زواج اثنان من أولادهم جمعهما حب كبير، ليصبحا باتحادهما بادرة مباركة في هذا المجال للأجيال القادمة.
ثمّ نسير معاً على بركة الله الذي نعبد، رافعين رايات الوفاق الديني والاتحاد الروحي، والقوانين العصرية، والمدنية، والحضارية، والعصرية في هذا العصر وفي العصور القادمة.
ولن أكون إلاّ لكِ، ولن تكوني إلاّ لي، و أنت حبي الأول والأخير ويكون أولادنا دعاة محبة بين جميع الأديان.
كتبت في القاهرة
وتمت في ملبورن – أستراليا عام 2006
**